لقد شرع الله تبارك وتعالى لعباده الزواج ورغَّب فيه
وحثَّ عليه وجعل ذلك فطرةً في الإنسان ، حيث أنه الطريق الشرعي الوحيد لالتقاء
الرجل بالمرأة { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } .
وبما أن الرجل قد ارتبط بهذه المرأة بهذا العقد العظيم
والميثاق الغليظ أوجب الله تعالى على كلا الطرفين حقوقاً كما أوجب عليهما واجبات ؛
كل ذلك حتى تنتظم الحياة الزوجية بينهما وتسير السفينة إلى برِّ الأمان مُحمَّلةً
باللآلئ والمرجان .
ولما كان كلا الزوجين يعتريه ما يعتري الطرف الآخر من
الخطأ والنسيان وتقلُّب الأحوال وغير ذلك مما يعتري البشر كان لزاماً على كلا
الزوجين أن يغضَّ الطرْف عن أخطاء الآخر وزلاَّته ؛ وذلك أن كلاهما لا يسلم من هذه
الزلات والأخطاء ، ولو أمسك كلُّ واحدٍ منهما أخطاء الطرف الآخر لما استقامت حياةٌ
زوجيةٌ على وجه هذه الأرض ولكانت هذه الحياة جحيماً تُسعَّر بأصحابها .
إن تجاوز الأخطاء والعفو عن الزلات هو سبيل الحياة
السعيدة والأسرة الهنيئة والمحبة والمودة ، وأنا لا أدري كيف يكون الزوج محباً
لزوجته أو الزوجة محبةً لزوجها وكلاهما يتصيَّد على الآخر أخطاءه وزلاته ؟!
ثم ما هو ذنب هؤلاء الأطفال حينما يرون أباهم وأمهم
يتشاجران أمامهما ؟ أفلا يؤثر ذلك على نفسيتهم وعلى خُلقهم وعلى طبائعهم ؟ سَلوا علماء
التربية والاجتماع عن ذلك يخبروكم بتأثيره ويُعلِموكم بخبره .
إن سبيل الحياة الهادئة هو التجاوز عن الأخطاء والنصح
بصدق والحوار بهدوء بعيداً عن أعين الأطفال ؛ وذلك ليصحح كل زوج خطأ صاحبه وللوصول
كذلك إلى حل لكل الخلافات الأسرية ، وإن صدق الزوجان وأرادا فعلاً أن يعيشا بهناء
واستقرار فسيوفق الله بينهما كما قال سبحانه : { إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا
يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا } .
ولن أفصِّل هنا في سبيل التعامل مع الخلافات الزوجية - ولعلَّ
الله تعالى ييسر ذلك مستقبلاً -، ولكن قصدي من ذلك أن أبيِّن أهمية العفو والتجاوز
عن الأخطاء والزلات في الحياة الزوجية لمن أراد أن تكون حياته الأسرية سعيدةً
هانئةً يملؤها المحبة والوِئام .
وخير ما يصنعه الأزواج لحلِّ أي خلاف قد ينشب بينهما - بغض
النظر عن هذا الخلاف وسببه - هو أن يلين الطرف الآخر حينما يشد الطرف الأول ويتذكر
حسنات وإيجابيات صاحبه ( لا يفرك – لا يكره – مؤمنٌ مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي
منها آخر ) .
وأكبر دليلٍ على ذلك قصة ذلك الرجل الذي جاء يشكو امرأته
إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلما وصل إلى بابه وأراد طرق الباب سمع
صوت زوجة عمر تصرخ عليه ، وتُعلي صوتها بوجهه ، وهو ساكتٌ عنها ويهدِّيها ، فلما
سمع ذلك رجع مطأطئاً رأسه ، فأحس عمر بخطوات الرجل فخرج له مسرعاً وناداه ، فقال :
له ما بالك ، ألك حاجة ؟ فقال له : كنت قد أتيت أشتكي إليك زوجتي فرأيت زوجتك تصنع
بك مثل ما تصنع زوجتي ، وأنت ساكتٌ عنها وتحاول إرضاءها ، فقال له : وما لي لا
أفعل ذلك ، وما لي لا أحتملها وهي أم أولادي ، وصانعة طعامي، وغاسلة ثيابي ، أفلا
احتملها لأجل ذلك ، وأعذرها ؟!
والعجب كل العجب من أناسٍ يتجاوزون عن أخطاء أصحابهم وزملائهم
ولكنهم حينما تُخطئ زوجاتهم لا يتحملون ذلك أبداً ، وتثور براكين الغضب في المنزل
لأجل ذلك ؟! ولو كانوا واضعين نُصب أعينهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( خيركم
خيركم لأهله ) لما وقعوا في ذلك .
ويكفي حثاً لنا على العفو والتجاوز عن الأخطاء
والزلات أن الله تبارك وتعالى يعفو ويتجاوز عمَّن عفا وتجاوز عن أخطاء الآخرين حيث
قال سبحانه : { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ
اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .