الخميس، 24 يونيو 2010

متى نسمع القرار ؟ بقلم : أحمد عادل العازمي

لقد خرجت في أحد الأيام بالسيارة لصلاة الفجر – وقد كنت آنذاك إماماً لأحد المساجد وكان المسجد بعيداً عن منزلنا بقليل – فسِرتُ على بركة الله بعد دعاء الركوب ، وإذا بشخصٍ ثملٍ سكران سُكرَ من ألقى بعقلهِ على عارضة الطريق وسار بلا عقل !

والأعجب من ذلك أنَّنا كُنَّا في ثاني ليلة من ليالي عيد الفطر المُبارك ! وكأنَّ شهر الصيام ، شهر التوبة والغفران ، شهر الهدى والتقوى والرضوان قد رحل ورحلت معه العبادة !

أفلم يأنِ لهؤلاء الإخوة الأعزاء أن يرجعوا ويعودوا ويُنيبوا إلى فاطر الأرض والسماء ؟ ألم يحِنِ الوقت لئن نُحقق قول الرب جلَّ وعلا : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } ؟ ألم نجلس مع أنفسنا ساعةً من الزمان نتفكَّر جميعاً في سالف الأيام ، وما فيها من المعاصي والآثام ، فنعود بعد ذلك إلى سُنةِ خير الأنام ؟ أفلم نُمعنِ النظر والتدبُّرَ في قول الله سبحانه وتعالى : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ } .

يُكرم الله تبارك وتعالى علينا بالنعم فيأبى البعض إلا أن يُزيل تلك النعم ، فبالله عليكم كيف يستسيغ إنسانٌ لنفسه بأن يُغطي عقله – وأحياناً يرميه في سلة المهملات معظم الأوقات – بهذه المسكرات التي لا تأتي للإنسان إلا بما يُزيل قدرَهُ ومروءته بين سائر المجتمعات ؛ وما ذاك إلا أنها أم الخبائث والمنكرات ، ويكفي قُبحاً لها أن يستنكرها الصغير قبل الكبير .

نقول لكل من أدمن على شُرب هذه الخمور ، وأقام لذلك القصور ، وجلسَ لمُشاهدة الرقص ، وسماع الزمور : احذر من هذه الأمور ؛ فإنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَلَعَنَ شَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وَآكِلَ ثَمَنِهَا ) ، وقد حذَّرَ الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين من هذه المسكرات بقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } طيب ماذا نفعل يا رب ؟ ما المطلوب منا ؟ { فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } ثم يزيد الربُّ تعالى الأمر وضوحاً في بيان سبب منعهم من ذلك بقوله : { إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } ثم قال سبحانه مُنبِّهاً ومُحذِّراً عباده { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ } .

فها هي شريعتنا الإسلامية الغرَّاء تُحذِّرنا من هذه المُسكرات ؛ كل ذلك للحفاظ على ضرورةٍ من ضرورات الدين العظيمة وهي العقل ، وللحفاظ على الأسر التي هي نواة المجتمع وأُسُّه وأساسُهُ المتين من الانحلال ، فكم والله من بيوتٍ تهدَّمت ، وكم من أُسرةٍ تفككت ، وكم من أبناءٍ وبناتٍ تشتتوا وضاعوا ، وسلكوا سبيل الانحراف بسبب هذه المُسكرات ؟

فيا ليت قومي يعلمون ما بها من الخطورة فيُحرِّموها كما حرَّمها الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم ، وكما حرَّمها نبينا الهادي الأمين .

ولكن يبقى حُلم وهاجس كل أم ، كل ابن ، كل بنت ، كل أخ ، كل أخت : متى نسمع قراراً متفق عليه بين الدول الإسلامية على منع هذه الخمور في البلاد الإسلامية حتى نعيش بأمنٍ وأمان ونسعد بالتربية الصالحة ؟!

الأحد، 20 يونيو 2010

خاطرة على الطريق بقلم : أحمد عادل العازمي


( كل بني آدم خطَّاء وخير الخطائين التوابون ) هذا ما قاله النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، فكل إنسانٍ معرضٌ للخطأ والزلل ، ولكن عليه أن يعود إلى صراط الله المستقيم وأن لا يغترَّ بكثرة الهالكين .

فالإنسان مهما أسرف على نفسه من المعاصي ، ومهما ارتكب من المنكرات ، واجترأ على ربِّ الأرض والسماوات ، فإنَّ الله يناديه بأفضل الألفاظ ، وأعذب الكلمات ، وأقرب العبارات { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } ، ويقول سبحانه : { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } .

فعلى المسلم مهما فعل واجترح من السيِّئات أن لا ييأس من رحمة فاطر الأرض والسماوات ، فإنَّه سبحانه يبسط يده بالليل ليتوب مسيءُ النَّهار ويبسط يده بالنَّهار ليتوب مسيءُ الليل ، وينادي سبحانه عباده كل يوم في الثلث الآخر من الليل هل من سائلٍ فأُعطيه ؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له ؟ هل من تائبٍ فأتوب عليه ؟ هل من داعٍ فأجيبه ؟

فانظروا يا رعاكم الله إلى سعة رحمة الله عزَّ وجل ، نعصيه بالليل والنهار ، وبالسرِّ والإجهار ، ثم ينادينا بأحسن الألفاظ ، وأعذب الكلمات ، ولا عجب من ذلك فهو جلَّ وعلا أرحم بعباده من الأم بولدها .

فهلاَّ سارعنا بالتوبة والرجوع والإنابة إلى الله تبارك وتعالى من قبل أن يأتي أحدنا الموت { فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ } .

من قبل أن نتحسَّر على ما فرَّطنا في جنبِ الله تعالى ، فنقول حينئذٍ ربِّ لولا أخَّرتنا إلى أجلٍ فنتدارك ما فرَّطنا فيه ، فنصَّدَق ، ونفعل الخيرات ، ونكن من الصالحين بأدائنا للمأمورات ، واجتنابنا للمنهيات ، فنُجاب بأن هذا الأمر قد فات أوانه {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} المحتوم لها { وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } من خيرٍ وشر، فيجازيكم على ما علمه منكم من النيات والأعمال .

السبت، 19 يونيو 2010

الستر بقلم : أحمد عادل العازمي


إنَّ من نعم الله تبارك وتعالى على عباده المُذنبين سترهُ عليهم ، بل ومغفرته لهم إن أتبعوا تلكمُ المعصية توبةً صادقةً ، تخشع لها قلوبهم ، وتدمعُ منها عيونهم .

فليس العيب بأن يُخطئ العبد ولكنَّ العيب أن يُصرَّ على المعصية ، ولذلك كان من صفات عباد الله المؤمنين أنهم إذا فعلوا معصيةً تذكَّروا فاستغفروا الله تبارك وتعالى ، قال تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } .

ومن عظيم إحسان الله تعالى على عباده أنه يستر عليهم ويُمهلهم حتى يرجعوا إليه ويُنيبوا إليه ، فهو سبحانه الستير ومن أسمائه الستار جلَّ وعلا .

وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( كل أمتي معافى إلا المجاهرون ، وإن من الإجهار أن يعمل العبدُ بالليل عملاً ثم يُصبح قد ستره ربه ، فيقول : يا فلان قد عملت البارحة كذا وكذا ، وقد بات يستره ربه ، فيبيت يستره ربه ، ويصبح يكشف ستر الله عنه ) .

ولهذا على المسلم إن قصَّر في شيءٍ من الواجبات أو ارتكب شيئاً من المحرمات أن يستر على نفسه ، وأن لا يجهر بتلك المعصية ، وأن يسارع بالتوبة إلى الله تبارك وتعالى .

وعلى المسلم أن يستر أخاه المسلم ، وأن ينصحه بالغيب ، فإنَّ ذلك أرجى لئن يقبل منه ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة ) .

ويقول : ( من ستر عورة أخيه ستر الله عورته يوم القيامة ، ومن كشف عورة أخيه ، كشف الله عورته ، حتى يفضحه في بيته ) .

فعلى المسلم أحبتنا الكرام إن رأى أخيه على معصية أن يستره ، وأن لا يفضح أمره ، وبهذا نعلم بأن ما يقوم به البعض من تصوير بعض الجرائم أو المنكرات وبثها في القنوات الفضائية ، أو الشبكة العنكبوتية ( الإنترنت ) ، أو نشرها في الجرائد والمجلات ، كلُّ ذلك من الخطأ البين الواضح ، ومن هتك أستار الناس ، ويُخشى على فاعله من إحلال عقوبة الله تعالى عليه في الدنيا والآخرة ؛ وذلك أنه بإشاعة مثل تلك الأمور تعويدٌ للناس على مشاهدة هذه المنكرات أمام أعينهم ، وبذلك يضعفُ إنكارهم لهذه المنكرات مُستقبلاً .

نسأل الله تبارك وتعالى أن يسترنا في الآخرة كما سترنا في الدنيا ، وأن يغفر ما كان منا ، وأن يقبل توبتنا .