تعتبر الأسرة
المؤسسة التربوية الأولى التي نشأت مع بداية خلق الإنسان بل وفي أحسن الأماكن
وأطهرها وهي الجنة ، حيث خلق الله تبارك وتعالى آدم وحواء وكان الارتباط الوثيق ما
بينهما ؛
ليكمل كلٌ منهما الآخر في هذه الحياة الدنيا وتبدأ حياة البشرية بذلك { وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا
مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا
مِنَ الظَّالِمِينَ } ، وهو ما يدلنا على أهمية الأسرة في ديننا الإسلامي ،
وضرورة الاعتناء بها، وتوفير البيئة المناسبة لها ؛ فالأسرة هي النواة الأولى للمجتمع
، والخلية واللَّبِنة الأساسية في تكوين البناء الاجتماعي ، وهي مصنع الأجيال ،
والرجال العظماء ، والنساء الصالحات ، ففيها يتم وضع البذور الأولى في التنشئة
والتربية ، وهي التي تقوم بتشكيل الملامح الأساسية لشخصية الإنسان ، وإكسابه القيم
والمفاهيم والاتجاهات ، ونمط علاقته مع الآخرين ، وهي التي تقوم بتكوين اتجاهاته
وميوله وفكره وثقافته وسلوكه في المجتمع ، ومن هنا قال النبي الكريم صلوات الله
وسلامه عليه : ( كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو
يمجسانه ).
إعداد الطفل
جسمياً وعقلياً ونفسياً وروحياً ووجدانياً واجتماعياً حتى يكون عضواً صالحاً
ونافعاً لنفسه ومجتمعه وأمته هي المهمة الأساسية والأولى للأسرة ، وعمارة هذه الحياة الدنيا التي نعيش فيها
لا يمكن أن تكون إلا بأفرادٍ صالحين يشعرون بالمسؤولية ، ويكونون قادرين على تحمل
تبعاتها ، والنهوض بأوطانهم نحو التقدم والرقي والازدهار ، وهؤلاء الأفراد من
الصعب أن ينشؤوا في ظل أسرٍ مضطربة ومتفككة ، ومن هنا ترى أن إبليس يحرص هو
وأتباعه وأولياؤه من شياطين الإنس والجن على إفساد الأسرة وتفككها بشتى الطرق
والوسائل ، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن إبليس يضع عرشه
على الماء ثم يبعث سراياه ، فأدناهم منه منزلةً أعظمهم فتنة ، يجيء أحدهم فيقول :
فعلت كذا وكذا ، فيقول : ما صنعتَ شيئاً ، ثم يجيء أحدهم فيقول : ما تركته حتى
فرَّقتُ بينه وبين امرأته ، قال : فيدنيه منه ويقول : نِعْمَ أنتَ ) يُثني
عليه ويقربه منه إعجاباً بفعله وصنيعه .
إن المسؤولية
التي تقع على عاتقنا اليوم في تربية أطفالنا مسؤولية كبيرة ، ولم يعد أمرها بالشيء
الهين ،
لا سيما مع الثورة الإعلامية الهائلة ووسائل التقنية والأجهزة الذكية التي باتت
اليوم بيد كثير من الأطفال دون حسيب ولا رقيب ، حيث تساهم هذه الوسائل كلها - شئنا
أم أبينا - في تنشئة الطفل وصياغة شخصيته وميوله واتجاهاته ونظرته للآخرين من حوله
وكيفية تعامله معهم ، كل ذلك يجعل المسؤولية على الوالدين في الأسرة كبيرة ، فهل
نكون فعلاً على قدر هذه المسؤولية أم نكون سبباً في ضياع أبنائنا ونشأتهم بشكلٍ
غير سوي ؟!