لقد خرجت في أحد الأيام بالسيارة لصلاة الفجر – وقد كنت آنذاك إماماً لأحد المساجد وكان المسجد بعيداً عن منزلنا بقليل – فسِرتُ على بركة الله بعد دعاء الركوب ، وإذا بشخصٍ ثملٍ سكران سُكرَ من ألقى بعقلهِ على عارضة الطريق وسار بلا عقل !
والأعجب من ذلك أنَّنا كُنَّا في ثاني ليلة من ليالي عيد الفطر المُبارك ! وكأنَّ شهر الصيام ، شهر التوبة والغفران ، شهر الهدى والتقوى والرضوان قد رحل ورحلت معه العبادة !
أفلم يأنِ لهؤلاء الإخوة الأعزاء أن يرجعوا ويعودوا ويُنيبوا إلى فاطر الأرض والسماء ؟ ألم يحِنِ الوقت لئن نُحقق قول الرب جلَّ وعلا : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } ؟ ألم نجلس مع أنفسنا ساعةً من الزمان نتفكَّر جميعاً في سالف الأيام ، وما فيها من المعاصي والآثام ، فنعود بعد ذلك إلى سُنةِ خير الأنام ؟ أفلم نُمعنِ النظر والتدبُّرَ في قول الله سبحانه وتعالى : { أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ } .
يُكرم الله تبارك وتعالى علينا بالنعم فيأبى البعض إلا أن يُزيل تلك النعم ، فبالله عليكم كيف يستسيغ إنسانٌ لنفسه بأن يُغطي عقله – وأحياناً يرميه في سلة المهملات معظم الأوقات – بهذه المسكرات التي لا تأتي للإنسان إلا بما يُزيل قدرَهُ ومروءته بين سائر المجتمعات ؛ وما ذاك إلا أنها أم الخبائث والمنكرات ، ويكفي قُبحاً لها أن يستنكرها الصغير قبل الكبير .
نقول لكل من أدمن على شُرب هذه الخمور ، وأقام لذلك القصور ، وجلسَ لمُشاهدة الرقص ، وسماع الزمور : احذر من هذه الأمور ؛ فإنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَلَعَنَ شَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وَآكِلَ ثَمَنِهَا ) ، وقد حذَّرَ الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين من هذه المسكرات بقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } طيب ماذا نفعل يا رب ؟ ما المطلوب منا ؟ { فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } ثم يزيد الربُّ تعالى الأمر وضوحاً في بيان سبب منعهم من ذلك بقوله : { إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ } ثم قال سبحانه مُنبِّهاً ومُحذِّراً عباده { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ } .
فها هي شريعتنا الإسلامية الغرَّاء تُحذِّرنا من هذه المُسكرات ؛ كل ذلك للحفاظ على ضرورةٍ من ضرورات الدين العظيمة وهي العقل ، وللحفاظ على الأسر التي هي نواة المجتمع وأُسُّه وأساسُهُ المتين من الانحلال ، فكم والله من بيوتٍ تهدَّمت ، وكم من أُسرةٍ تفككت ، وكم من أبناءٍ وبناتٍ تشتتوا وضاعوا ، وسلكوا سبيل الانحراف بسبب هذه المُسكرات ؟
فيا ليت قومي يعلمون ما بها من الخطورة فيُحرِّموها كما حرَّمها الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم ، وكما حرَّمها نبينا الهادي الأمين .
ولكن يبقى حُلم وهاجس كل أم ، كل ابن ، كل بنت ، كل أخ ، كل أخت : متى نسمع قراراً متفق عليه بين الدول الإسلامية على منع هذه الخمور في البلاد الإسلامية حتى نعيش بأمنٍ وأمان ونسعد بالتربية الصالحة ؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق