ليس الغريب أبداً أن يأتي الطعن بالإسلام من الأعداء ، ومن أهل الكفر والإلحاد ، وإنما الغريب أن يأتي الطعن من الداخل ، من أهل الإسلام ، وممن يحسبون على المسلمين ؛ وذلك أن من يطعن بالإسلام من الخارج من أهل الكفر والإلحاد يعرف المسلمون بأنهم كفارٌ ولا يريدون من المسلمين إلا ترك دينهم ، فهم بذلك يعرفون هذه الحقيقة ويدركونها وبالتالي لا يستجيبون لها البتة .
بينما الذي يطعن بالإسلام من الداخل ، هو واحدٌ منا يعيش بيننا ، ويتكلم بكلامنا ، ويعمل معنا ، ولا يُتصوَّر منه أبداً أن يكون المِعول الذي يستخدمه أهل الكفر لهدم الدين ، فمن هنا تكمن الخطورة ، حيث يظن الواحد منا بأن هذا الشخص لم يتكلم إلا عن غيرةٍ على الدين – كما يزعم وكما يُظهِر هو من حاله – وأنه بما يدعو إليه يريد نُصح المسلمين .
فتراه يدعي حماية حقوق المرأة ، ويدعو إلى حريتها ، وكأنها في بلاد الإسلام قد ظلمت أو أخذ حقها ؟! يدعو باسم حرية المرأة – لكي ينال هو ما يريد منها – إلى خلع الحجاب والتكشف والسفور والاختلاط بحجة أن هذه حريتها ، حتى ظن بعض بناتنا من كثرة ما يسمعن هذا الكلام أنه حق ، لأنه خرج من أفواه من يظنون بأنه من المفترض أنه لا يريد إلا الإصلاح .
وتراه يصيح بأعلى صوته نريد المساواة للمرأة ، نريدها أن تكون مساويةً للرجل في كل شيء ، وحينما تأتي إليه لتناقشه فيما قال ، وتقول له : أتريد من أختي وأختك أن تشتغل في البناء كما يشتغل الرجال وتحمل أكياس الإسمنت على ظهرها ؟ يقول لك : لا ، وعندها تعلم بأن ما يقوله مجرد تقليد للغرب ، وبأنهم قالوا له : قل كذا وكذا ، وإذ به يقول ما يريدون دون أن يدرك معنى ما يقول ، ويُردِّد ما يسمع منهم دون أن يعقِل معناه !
وتجده يبكي بكاءً شديداً على الشباب في المؤتمرات : لم لا يسمح لهم باتخاذ الخليلات والعشيقات ، وأن تبنى علاقتهم قبل الزواج على الحب قبل أن يقوم الطرفان بالزواج وهما لا يعرفان بعضهما فتكون علاقتهما بعد ذلك جحيم في جحيم ، لأنه لم يعرف قبل ذلك من سيتزوج ، ولم تعرف هي من ستتزوج ! وكأن الأمر أصبح دعاوى بلا بينات ، ولم يدرك هذا المسكين بأنه قد ثبت بالإحصائيات بأن من يتزوجون عن علاقة حبٍ سابقة هم من تكون علاقتهم جحيمٌ في جحيم ، وهم من يعيشون حياةً زوجية مأساوية ، فحياتهم شقاءٌ في شقاء ، فالزوج يشك بزوجته ، وهي تخشى خيانته لها ، ولا يلبث هذا الزواج إلا أن يبوء بالفشل ، وبالتالي يكون مصيره الطلاق المحتوم بعد شهرٍ أو شهرين .
وما إن يخطئ عالمٌ أو يخالفه في رأيٍ مع أن الحق معه إلا ويشنع عليه الأخ الكريم في الصحف والمجلات ووكالات الأنباء حتى لا يأخذ الناس برأيه ، وكي يسقط هذا العالم من أعين الناس ، وبالتالي لا يكون هناك للناس أي مرجعٍ يرجعون إليه ، وإن أُسقط الأكابر من أعين الناس فلا تسل بعد ذلك عن دينهم ، وما يحصل من فسادٍ بمجتمعهم .
أما إن أفتى أحدٌ وإن كان ليس أهلاً للإفتاء بفتوى تأيد ما يذهب إليه وتستقيم مع هواه ، طار بها بالآفاق ونشرها بكل وسائل الإعلام ، وصار صاحبها هو شيخ الإسلام ، وهو مفتي الأنام بعد أن كان مغموراً بين الناس ، وإذ به بعد ذلك تعقد معه اللقاءات ، ويستضاف في الفضائيات ، ويكون هو المجتهد الذي لا نظير له ، والعالم الذي لا نِدَّ له ، ويزيَّن ويلمَّع ويوصف بالألقاب البراقة حتى يصدِّق ويقتنع الناس بأن ما يقوله هذا الشخص هو الدين وهو الصحيح وهو ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وحاشا أن يأتي النبي عليه الصلاة والسلام بما جاء به ذلكم الشخص .
وليتهم توقفوا عند ذلكم الحد ، ولكن تجاوزوه بكثير ، فلقد أصبح كثيرٌ منهم حتى يصدقه الناس يكذب على العلماء والأئمة ويقولهم ما لم يقولوه أبداً ، حتى أن بعضهم من كثرة كذبه على الناس كاد أن يصدق نفسه !
فأنا أسأل حقيقةً ما المراد بهذه الدعوات على وجه التحديد ؟ وليت أحد أصحابها يجيبني عن ذلك ؟ حتى ندرك ما أدركه هو بهذه الدعوات ولم ندركه نحن ولا علماؤنا الأولين ؟! ونحن بانتظار الجواب .