الاثنين، 8 مايو 2017

الوزير العادل والمستشار المؤتمن بقلم : أحمد العازمي

كان رحمه الله كبير المنزلة وعظيم الشأن عند عدد من خلفاء بني أمية كعبدالملك بن مروان ، وسليمان بن عبدالملك ، وعمر بن عبدالعزيز ، وقد أجرى الله تعالى على يديه – كما ذكر الإمام الذهبي في سيرته – الخيرات ؛ وذلك أنه كان من أولئك الوزراء المخلصين والمستشارين المؤتمنين الذين إذا نسي الخليفة ذكَّروه ، وإذا ذكر أعانوه ، وكان ينظر إلى الأمور نظر العالم البصير الذي يدرك العواقب والمآلات .
لم يكن قربه من الخلفاء من أجل حُطام الدنيا ومتاعها ، ولا لنيل المكاسب الشخصية الآنية ، وإنما كان لإحقاق الحق، ورفع المظالم ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وبذل النصح ، والمشورة الصادقة .. فلا هو ذاك الوزير الذي يسعى لقضاء حوائجه ، ولا ذاك المستشار الذي يقدم أمره الخاص على أمر العامة .
لم تغلبه نفسه طوال خدمته مع الخلفاء في التعدي على بيت مال المسلمين ، ولا أخذ تلك الرشاوى التي  يقدمها من يقدمها من أجل ذكرهم عند الخلفاء ، ولم يُعلم عنه أنه استغلَّ منصبه مرةً من المرات في تقديم من لا يستحق وإعطائه ما لا يستحق ، وكيف يفعل ذلك من كانت المصلحة العليا للدولة ولعموم المسلمين هي همُّه وشغله الشاغل في ليله ونهاره ؟!
مشوراته كلها كانت فيما به مصلحة المسلمين ، ولم يكن كأولئك الوزراء والمستشارين الذين يقدمون المشورات بناءً على ما يُحب ويرغب الخليفة ، وإنما كانت الغاية والهدف أسمى من ذلك بكثير ، وليس ذلك بغريب عندما يوسد الأمر إلى أهله ، ويكون صاحب الكفاءة الأمين هو الوزير والمستشار .
ذاك الذي أتحدث عنه هو العالم الفقيه الثقة الإمام القدوة والوزير العادل والمستشار المؤتمن رجاء بن حيوة الذي كان يعلم علم اليقين أن الدنيا وما فيها من مناصب كلها زائلة ، وأن الدار الآخرة وما فيها هي الباقية ، فكيف يقدم العاقل ما هو زائل على ما هو باقٍ ؟!
كان رحمه الله يوماً عند الخليفة عبدالملك بن مروان ، وقد ذُكر عنده شخص بسوء ، فأخذ عبدالملك يهدد ويتوعد ويقول : ( واللـه لئن أمكنني اللـه منه لأفعلن به ولأصنعن ) ، فلما أمكنه اللـه منه همَّ بإيقاع الأذى به ومعاقبته ، فما كان من الوزير العادل والمستشار المؤتمن رجاء بن حيوة إلا أن يقوم ناصحاً ويقول: ( يا أمير المؤمنين قد صنع اللـه لك ما أحببت فاصنع ما يحب اللـه من العفو ) ، فوقعت تلك النصيحة الصادقة في قلب عبدالملك ، وما كان قراره إلا العفو عن ذلك الرجل والإحسان إليه .
وقد كانت من أعظم المشورات التي أشار بها رجاء بن حيوة رحمه الله على الخليفة سليمان بن عبدالملك رحمه الله قبل وفاته - وقد نفع الله بتلك المشورة الأمة أيما نفعٍ - هي مشورته عليه عندما مرض بتولية عمر بن عبدالعزيز خليفةً على المسلمين من بعده عندما سأله سليمان : من ترى لهذا الأمر ؟ فأجابه مذكراً له بالله تعالى : ( اتق الله ، فإنك قادمٌ على الله تعالى ، وسائلك عن هذا الأمر وما صنعت فيه ) ثم أشار عليه بتولية عمر بعد حوارٍ دار بينهما ، فما كان من الخليفة المقبل على ربه إلا أن يتذكر وقوفه أمام الله جل وعلا ، وسؤاله إياه عن هذه الأمة ، وعمَّن ولاها أمرها من بعده ، فيستجيب لتلك المشورة الصادقة ، ويولي من بعده عمر بن عبدالعزيز خليفةً على المسلمين ، وقد كانت تلك المشورة سبباً في إبعاد الوزير والمستشار رجاء بعد وفاة عمر بن عبدالعزيز ومعاداة العديد من أمراء بني أمية له .
خرج رجاء بن حيوة من الوزارة وخلع ثوب المستشار بعد وفاة الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، وتم إبعاده عن مواطن صنع القرار ، ولكنه لم يخرج إلا بسيرته الطيبة ، وأمانته المعهودة ، ومبادئه الراسخة، وعمله النبيل ، ومشوراته الصادقة ، وتاريخه الناصع ، فلم يشارك في قرارٍ جائرٍ تُظلم فيه الرعية، ولا في مشورةٍ يكون بها إعطاء من لا يستحق ما لا يستحق ، وكان مثالاً للوزير العادل الصادق الأمين الذي يُفتخر بذكره وبيان مناقبه وفضائله ومآثره ، وحُقَّ لأمير السرايا مسلمة بن عبدالملك أن يقول: ( برجاء بن حيوة وبأمثاله نُنصر ) .

ليست هناك تعليقات: