في ليلةٍ ظلماء من الساعة الخامسة إلا ربع تقريباً ، وقد اقترب دخول وقت صلاة الفجر في إحدى البلاد الإسلامية تعالت الأصوات وصدرت تلكم الصيحات المستنجدة الباكية ( ساعدوني .. اتركني .. دعني .. آه .. آه .. ) يا ترى ما الخطب ؟ ما الجلل ؟ ما الذي حدث ؟ خرج الجميع ، القريب والبعيد ، باحثاً عن مصدر تلكم الأصوات العالية المستنجدة ، ما الذي حدث ؟ أدخلت علينا الجيوش الجرارة لتغزو بلادنا ؟ أم ارتبكت جريمة قتلٍ في حيِّنا ؟ أم ماذا حدث ؟ الكل يتساءل ؟ والكل ينظر ويشاهد ذلكم المنظر الذي رآه البعيد قبل القريب .
لقد كان المشهد مؤلماً ومُحزناً ، ومبكياً للعين ، ومُقطعاً للقلب ، وكأنه خنجراً قد أصاب نحري أو سهماً قد أدمى قلبي ، لقد سمعت تلكم الأصوات كما سمعها غيري ، ورأيت ذلكم المشهد كما رآه من كان معي .
جنايةٌ وأيُّ جناية ؟! وجريمةٌ وأيُّ جريمة ؟! ضربٌ لا يجوز أن يكون لحيوان فكيف بإنسان ؟ بل ويزيد الأمر حُزناً أن تعلم بأنَّ من يُضرب ليس برجلٍ قد تمرَّس في الملاكمة أو مصارعٍ قد أمضى السنين في المصارعة أو رجلٍ صاحب عضلاتٍ مفتولة ؟ لا ، بل هي امرأةٌ ضعيفةٌ مسكينةٌ لا تملك من أمرها شيئاً ، تضرب من رجلٍ وكأنَّه قد نُزعت الرحمةُ من قلبه ، وقد كان المفروض أن يكون أرحم بها من نفسها ؛ وذلك أنه والدها وللأسف ، وقد رأيته من بعيد يركلها برجله كما تُركل الكرة في الملعب لتصل إلى الهدف ؟!
فأقول لهذا الأب وغيره من الآباء : يا ترى ما ذنب هذه البنت لتفعل بها هكذا ؟ ما جريرتها لتضرب ضرب الوحوش بل هو أشد ؟ أين ( استوصوا بالنساء خيراً ) ؟ أين ( الراحمون يرحمهم الرحمن ) ؟ أين العطف والشفقة والمحبة ؟ أين تلك المشاعر الدافئة تجاه الأبناء والبنات ؟ أتذهب هذه المشاعر كلها في ومضة عين وفي لحظة غضب ؟ قد يقول لي : بأن خطيئتها كبيرة وعظيمة فهي أكبر وأعظم حتى من أن تُذكر ، فأقول له : مهما كانت خطيئة وجريرة ابنتك فإنه لا يحق لك أن تفعل بها ما فعلت ، قد يقول لي : حالة غضب ، فأقول : إن حالة الغضب لا تسمح لك بفعل ما فعلت ، يا أخي لو ماتت هذه الفتاة بيدك فماذا ستصنع ؟ هل ستجلس في الطرقات وتعض على أصابعك من الندم وتبكي بكاء الطفل الصغير ؟ ولكن ولات حين مندم ، فلن يرجع ما فات ولن يعود الزمان للوراء .
غفر الله لك يا أخي هناك في ديننا ما يسمى بفقه التعامل مع الأولاد – الولد يطلق لغةً على الابن والبنت - ، وكثيراً ما يكرر علينا علماء التربية بأن الضرب لا يجدي في كثيرٍ من الأحيان ، فلم الضرب إذاً ؟ لماذا لا نستخدم فنوناً أخرى في تعاملنا مع أولادنا وإن أخطؤوا ما أخطؤوا فيه ، وارتكبوا ما ارتكبوا ، لماذا لا نستعمل أسلوب الحوار ؟ لماذا لا نستخدم أسلوب الإقناع ونجلس مع أبنائنا وبناتنا ونتصارح معهم ونسمع منهم ماذا يريدون وما الذي يجول في خاطرهم ؟ ما الذي يجعلهم يقعون في هذه الأخطاء ؟ ما هي دواعي عنادهم وإصرارهم على مثل هذه الأخطاء ؟
ولا يظن ظان من الآباء بأن النتيجة ستأتي من أول جلسة ومن أول حوار ، لا ، فالنتيجة قد تأتي في الحال ، فإذا أتت فالحمد لله ، وقد تأتي بعد فترة من الزمن ؛ وذلك أن هذا الابن يحتاج في كثيرٍ من الأحيان إلى التفكير فيما قاله له والده أو قالته له والدته ، فإنك وإن لم تره يفكر فيما قلته له أمامك ، ولكنه ولابد أنه يفكر في ذلك بينه وبين نفسه ، والإنسان عندما يفكر فيما بينه وبين نفسه في غالب الأمر يصل إلى النتيجة المطلوبة .
فالرحمة الرحمة يا عباد الله ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء .
هناك تعليق واحد:
شيخ احمد ابدع والله فيم ا كتبت جزاك الله خيرا وبورك فيك
إرسال تعليق