السبت، 24 ديسمبر 2011
وليعفوا وليصفحوا بقلم : أحمد عادل العازمي
الاثنين، 27 يونيو 2011
قسم الإرشاد الديني بالمدارس ! بقلم : أحمد عادل العازمي
الجمعة، 17 يونيو 2011
في صمت الليل بقلم : أحمد عادل العازمي
في ليلةٍ ظلماء من الساعة الخامسة إلا ربع تقريباً ، وقد اقترب دخول وقت صلاة الفجر في إحدى البلاد الإسلامية تعالت الأصوات وصدرت تلكم الصيحات المستنجدة الباكية ( ساعدوني .. اتركني .. دعني .. آه .. آه .. ) يا ترى ما الخطب ؟ ما الجلل ؟ ما الذي حدث ؟ خرج الجميع ، القريب والبعيد ، باحثاً عن مصدر تلكم الأصوات العالية المستنجدة ، ما الذي حدث ؟ أدخلت علينا الجيوش الجرارة لتغزو بلادنا ؟ أم ارتبكت جريمة قتلٍ في حيِّنا ؟ أم ماذا حدث ؟ الكل يتساءل ؟ والكل ينظر ويشاهد ذلكم المنظر الذي رآه البعيد قبل القريب .
لقد كان المشهد مؤلماً ومُحزناً ، ومبكياً للعين ، ومُقطعاً للقلب ، وكأنه خنجراً قد أصاب نحري أو سهماً قد أدمى قلبي ، لقد سمعت تلكم الأصوات كما سمعها غيري ، ورأيت ذلكم المشهد كما رآه من كان معي .
جنايةٌ وأيُّ جناية ؟! وجريمةٌ وأيُّ جريمة ؟! ضربٌ لا يجوز أن يكون لحيوان فكيف بإنسان ؟ بل ويزيد الأمر حُزناً أن تعلم بأنَّ من يُضرب ليس برجلٍ قد تمرَّس في الملاكمة أو مصارعٍ قد أمضى السنين في المصارعة أو رجلٍ صاحب عضلاتٍ مفتولة ؟ لا ، بل هي امرأةٌ ضعيفةٌ مسكينةٌ لا تملك من أمرها شيئاً ، تضرب من رجلٍ وكأنَّه قد نُزعت الرحمةُ من قلبه ، وقد كان المفروض أن يكون أرحم بها من نفسها ؛ وذلك أنه والدها وللأسف ، وقد رأيته من بعيد يركلها برجله كما تُركل الكرة في الملعب لتصل إلى الهدف ؟!
فأقول لهذا الأب وغيره من الآباء : يا ترى ما ذنب هذه البنت لتفعل بها هكذا ؟ ما جريرتها لتضرب ضرب الوحوش بل هو أشد ؟ أين ( استوصوا بالنساء خيراً ) ؟ أين ( الراحمون يرحمهم الرحمن ) ؟ أين العطف والشفقة والمحبة ؟ أين تلك المشاعر الدافئة تجاه الأبناء والبنات ؟ أتذهب هذه المشاعر كلها في ومضة عين وفي لحظة غضب ؟ قد يقول لي : بأن خطيئتها كبيرة وعظيمة فهي أكبر وأعظم حتى من أن تُذكر ، فأقول له : مهما كانت خطيئة وجريرة ابنتك فإنه لا يحق لك أن تفعل بها ما فعلت ، قد يقول لي : حالة غضب ، فأقول : إن حالة الغضب لا تسمح لك بفعل ما فعلت ، يا أخي لو ماتت هذه الفتاة بيدك فماذا ستصنع ؟ هل ستجلس في الطرقات وتعض على أصابعك من الندم وتبكي بكاء الطفل الصغير ؟ ولكن ولات حين مندم ، فلن يرجع ما فات ولن يعود الزمان للوراء .
غفر الله لك يا أخي هناك في ديننا ما يسمى بفقه التعامل مع الأولاد – الولد يطلق لغةً على الابن والبنت - ، وكثيراً ما يكرر علينا علماء التربية بأن الضرب لا يجدي في كثيرٍ من الأحيان ، فلم الضرب إذاً ؟ لماذا لا نستخدم فنوناً أخرى في تعاملنا مع أولادنا وإن أخطؤوا ما أخطؤوا فيه ، وارتكبوا ما ارتكبوا ، لماذا لا نستعمل أسلوب الحوار ؟ لماذا لا نستخدم أسلوب الإقناع ونجلس مع أبنائنا وبناتنا ونتصارح معهم ونسمع منهم ماذا يريدون وما الذي يجول في خاطرهم ؟ ما الذي يجعلهم يقعون في هذه الأخطاء ؟ ما هي دواعي عنادهم وإصرارهم على مثل هذه الأخطاء ؟
ولا يظن ظان من الآباء بأن النتيجة ستأتي من أول جلسة ومن أول حوار ، لا ، فالنتيجة قد تأتي في الحال ، فإذا أتت فالحمد لله ، وقد تأتي بعد فترة من الزمن ؛ وذلك أن هذا الابن يحتاج في كثيرٍ من الأحيان إلى التفكير فيما قاله له والده أو قالته له والدته ، فإنك وإن لم تره يفكر فيما قلته له أمامك ، ولكنه ولابد أنه يفكر في ذلك بينه وبين نفسه ، والإنسان عندما يفكر فيما بينه وبين نفسه في غالب الأمر يصل إلى النتيجة المطلوبة .
فالرحمة الرحمة يا عباد الله ، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء .
الجمعة، 15 أبريل 2011
الخطيب وقت الأزمات بقلم : أحمد عادل العازمي
هناك قاعدة عند أهل فن الإلقاء ومخاطبة الجماهير تقول : بأنه بقدر تعلق الموضوع بواقع الناس بقدر متابعة الناس لك وتفاعلهم معك .
وهذه القاعدة ينبغي على جميع الخطباء أن يراعوها ويدركوا معناها ، فلا يكون خطابهم وحديثهم في وادٍ والناس في وادٍ آخر ، بمعنى : أن الناس حينما يحتاجون إلى بيانٍ شرعي في قضيةٍ هم يعايشونها في واقعهم ينبغي على الخطيب أن يبين وجهة النظر الشرعية فيها ولا يكتم هذه النظرة في ذلك الوقت الذي يحتاج الناس فيه إلى بيان وينبغي عليه أن يبين للناس واجبهم تجاه تلك الفتن والأحداث والأزمات ، وكما هو معلومٌ عند من له أدنى علم وفقه بالشريعة الإسلامية أن العلماء متفقون على أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ، والله تبارك وتعالى يقول : { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } ، ويقول سبحانه : { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } .
ولا شك بأن مشاركة الناس فيما يُعايشونه من فتنٍ وأحداثٍ وأزماتٍ وبيان وجهة النظر الشرعية في ذلك كله هو من واجبات الخطيب وهو من عوامل الرقي بالخطابة ومن أسباب نجاح الخطيب ، والعكس صحيح فمن عوامل سوء الخطابة وفشل الخطيب وضعف تأثيره على الناس هو التغريد خارج السرب .
وإن مما يؤسف له أن الأمة الإسلامية عاشت ولا زالت تعيش في لحظاتٍ وأيامٍ هي من أصعب لحظاتها وأيامها من خلال ما جرى في تونس ومصر وليبيا والبحرين وسوريا واليمن ومع ذلك كله تجد أن بعض الخطباء لم يتكلم ببنت شفة في تلك الأحداث وكأنه يعيش في كوكبٍ آخر غير الكوكب الذي نعيش فيه ! مُعرضاً بذلك عن قوله صلى الله عليه وسلم : ( المؤمنُ للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا ( ، ومتناسياً قوله عليه السلاة والسلام : ( مثَل المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم كالجسَد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تَداعَى له سائر الأعضاء بالسهَر والحمَّى ) !
إن مسؤولية الخطيب في توجيه الناس وبيان وجهة النظر الشرعية تجاه الفتن والأحداث والأزمات تفرض عليه أن يكون بقدر هذه المسؤولية التي تحمل زمامها وعليه أن يمارس استقلاليته في الخطابة وأن لا يتلقى خطبه وما سيلقيه على الناس عن طريق بعض الجهات المسؤولة إن لم يكن هو مقتنعاً بما يوجَّه به ويُرشد إليه ، فالخطيب المؤهل له كامل الاستقلالية في الشريعة الإسلامية ولا يجوز لأحد أن يحاسبه على كلامه الذي يقوله إن لم يكن فيه مخالفة للشريعة الإسلامية .
ومن المعلوم أنه أحياناً يكون لدى بعض الجهات المسؤولة عن الخطباء بالدول العربية والإسلامية وجهة نظر في بعض المسائل وقد تكون هذه الوجهات النظر سياسية بحتة بل قد تكون في بعض الأحيان مصادمة للشريعة الإسلامية ! فهنا يجب على الخطيب إن كان ما وجِّه به مصادم للشريعة أن يرده ويرفضه ولا ينصاع له ؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولو أدى ذلك إلى توقيفه عن الخطابة ، فلئن يوقف عن الخطابة خيرٌ له من أن يكون معول هدمٍ للشريعة الإسلامية وللمجتمع الإسلامي .
وأما إن كان ما وجه به مجرد رأي في المسألة وقد تبنت تلك الجهة ذلك الرأي وهو مما يقبل الاجتهاد فيظهر لي هنا كذلك بأن لا يأخذ هذا الخطيب بهذا الرأي إلا إن كان مقتنعاً به ، وذلك أن هذا دين يدين المسلم به لربه ، فكيف يسوغ للخطيب أن يُلقي على الناس كلاماً هو غير مقتنع به أصلاً ولا يدين الله تبارك وتعالى به بل يراه رأياً خاطئاً ؟! ثم إن الخطيب ينبغي أن يكون مجتهداً وليس مقلداً لغيره ، وعليه أن يبين رأيه بكل حرية خصوصاً في البلاد التي كفل دستورها وقانونها حرية الرأي والتعبير للأفراد .
وهناك من باب الأمانة العلمية رأيٌ آخر في المسألة وهو أن الخطيب عليه أن يلتزم بذلك الرأي من باب أن هذا هو رأي ولي الأمر ، وحكم ولي الأمر يرفع الخلاف في المسائل الخلافية ، ولكن يجاب على ذلك : بأن هذه القاعدة ليس على إطلاقها ولا تنطبق إلا في القضاء إذ فيه إلزام وليس في الإفتاء وفي المسائل العامة التي لا إلزام فيها ، ثم إن هذه القاعدة في الحاكم وليس في مجموعة أشخاص معينين من قبل الحاكم وهم موظفون بالإدارة المسؤولة عن الخطباء ، فلا ينطبق عليهم حكم ولي الأمر ، ثم إن في ذلك مصادرة لآراء الآخرين ، والدولة بحكم الدستور والقانون قد كفلت حرية الرأي والتعبير وهذا يصادم هذا الدستور وهذا القانون الذي أقره ووضعه ولي الأمر .
فينبغي على الجهات المسؤولة عن الخطباء بالدول العربية والإسلامية عموماً أن تحترم الخطباء وتعطيهم استقلاليتهم في الخطابة وتحفظ لهم كرامتهم وتحترم آراءهم ولا تصادر عقولهم فضلاً عن أن تُشهر في وجوههم سيف الإيقاف عن الخطابة بصورةٍ مباشرة أو غير مباشرة .
ومع إقرارنا بذلك كله إلا أننا نحذر الخطيب من الحديث في أمرٍ من الأمور لا يدرك جميع حيثياته ؛ إذ أن مثل هذه الملمات والمدلهمات والفتن العظيمة والأزمات الكبيرة تحتاج إلى شيءٍ من الحكمة والتأني والتروي والدراسة العميقة ، وعليه أن لا يتسرع في الحكم على الشيء قبل تصور أبعاده كلها ؛ إذ الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره كما قرر العلماء ، وعليه كذلك أن يستقصي جميع المعلومات فيما يريد الحديث والخوض فيه ، وأن يتثبت مما يُنقل له من معلومات وأن لا يستقي الأخبار إلا من المصادر الموثوقة وأن يكون لديه تواصلٌ مع علماء ومشايخ البلد لمناقشة تلك النازلة أو الفتنة أو الحدث أو الأزمة ويكون بينه وبين بقية إخوانه من الخطباء كذلك لقاءات لبحث سبل معالجة تلك الأوضاع وكيفية الخروج منها ، وبهذا يتم تلاقح الأفكار ووضع الوسائل المناسبة للخروج مما تعيشه البلاد من فتنةٍ وأزمة .
وإن كان الخطيب يريد الحديث عن أزمةٍ يعيشها إخواننا في بلادٍ أخرى فلا بد عليه هنا من التواصل مع علماء ومشايخ تلك البلاد ؛ وذلك ليكون على علمٍ ودرايةٍ تامة بما يحدث هناك ويعرف رأي علماء البلد فيما وقع بهم من فتنةٍ وأزمة .
ولا يخفى هنا أيضاً أهمية التواصل مع المسؤولين الثقات في الدولة التي حلت بها تلك الفتنة أو حدثت بها تلك الأزمة ؛ وذلك ليستفيد الخطيب مما قد يكون ذلك المسؤول مطلعاً عليه وهو خافٍ عنه وعن عموم الناس ، وبالتالي فإن حكمه بعد ذلك على تلك الفتنة والحدث والأزمة يكون منضبطاً ومتزناً ورصيناً ودقيقاً ، وعليه بعد أن يطلع على الموضوع من جميع جوانبه وحيثياته أن يتواصل مع المسؤولين لإيصائهم بحقوق الرعية وبرفع الظلم والفساد الواقع في البلاد وأن يبين لهم بأن هذا الظلم وهذا الفساد الموجود في البلاد هو من أهم أسباب وقوع البلاد في مثل تلك الفتن والأحداث والأزمات .
وإن مما ينبغي على الخطيب أيضاً في تلك الأزمات أثناء مخاطبة الجماهير أن يكون كلامه دقيقاً وواضحاً لا لبس فيه ولا غموض ، وعليه كذلك أن يُعمل القواعد والضوابط الشرعية في الحديث عن مثل هذه الفتن والأحداث والأزمات التي تمر بالأمة الإسلامية وأن يعرف ضوابط تنزيل الحكم الشرعي على الفتنة والأزمة الواقعة ، وينبغي عليه كذلك أن لا يُغفل قواعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفقه الأولويات والموازنات والمصالح والمفاسد ومآلات الأفعال ومقاصد الشريعة وغير ذلك من القواعد والضوابط الشرعية المرعية التي وضعها العلماء ؛ حتى لا يفسد من حيث أراد الإصلاح .
الثلاثاء، 15 فبراير 2011
نظرةٌ شرعية في قضية استثمار أموال الزكاة بقلم : أحمد عادل العازمي
تُعد قضية استثمار أموال الزكاة من المسائل الفقهية المعاصرة ، والتي تم طرحها كفكرة مُساهمة في تقليص عدد المحتاجين والفقراء من خلال استثمار أموال الزكاة من قبل ولي الأمر وإعادة توزيعها على عدد أكبر من المستحقين لها ، وقد تم مناقشة هذه القضية من قبل العلماء المعاصرين في العديد من المؤتمرات والندوات الفقهية .
وقد اختلفوا في هذه المسألة على قولين على وجه الإجمال والاختصار ، الأول : هو عدم الجواز؛ وذلك أن الله تبارك وتعالى جعل هذه الأموال مِلكاً لمصارف محددة في الآية التي بينت مصارف الزكاة وهي قوله جل وعلا : { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } وقالوا بأن اللام هنا للتمليك كما هو رأي الجماهير من العلماء ، ولا يجوز لأحد أن يتصرف في ملك غيره بلا إذنه ، ويجب إعطاء هذه المصارف حقها في الزكاة على الفور إذ الأمر يقتضي الفورية على الصحيح من قولي العلماء ، وقالوا : بأنه لو كانت هناك مصلحةٌ من استثمار أموال الزكاة فعلاً والحاجة قائمةٌ لذلك لقام بها النبي عليه الصلاة والسلام ؛ إذ أن الحاجة كانت ماسةً جداً في عصره نتيجة انتشار الفقر والحاجة إلى تمويل الجيش الإسلامي .
وقالوا أيضاً : بأن استثمارها يؤدي إلى ضياعها وهلاكها ، وهذا صحيح إلا أنه يُمكن أن نقلل من نسبة الهلاك والضياع بوضع دراسة جدوى اقتصادية ، وبتضمين بيت المال وخزينة الدولة في حال ضياع أموال الزكاة من باب تضمين ما أتلفه الفضولي الوارد في كتب الفقهاء ومن باب تضمين من كان في يده ملكٌ لغيره وتعدى وقصر فيه ولو كانت يده يد أمانة .
القول الثاني : أنه يجوز استثمار أموال الزكاة ولكن بضوابط ؛ وعللوا قولهم هذا بأنه لا مانع شرعاً من استثمارها وتنميتها حتى يعم النفع لعدد أكبر من المستحقين للزكاة ، وقال بعضهم : أن اللام الواردة في الآية السابقة الذِّكر للاختصاص وليست للتمليك ولكن هذا مردود بأن الأصل في اللغة أن اللام للتمليك ولا يوجد هنا ما يصرف هذا الأصل فتبقى على أصلها أنها للتمليك ، وقال آخرون من القائلين بالجواز : بأن اللام وإن كانت هنا للتمليك إلا أنه يجوز لولي الأمر أن يؤخر صرف الزكاة إذا رأى في ذلك مصلحة ، ومن جملة المصالح في تأخيرها استثمارها لصالح المستحقين .
وقاسوا هذا الأمر أيضاً على جواز استثمار أموال اليتامى ، ولكن هذا القياس لا يُسلَّم به ؛ إذ أنه قياسٌ مع الفارق ، فأموال اليتامى قد جاءت الشريعة بالأمر باستثمارها حتى لا تأكلها الزكاة ، وأما الزكاة فإنه لم يؤمر باستثمارها وإنما أمر بإخراجها فوراً ودفعها إلى مستحقيها ، فيكون هذا من باب القياس في مورد النص الذي لا يصح .
ومع هذا كله فإن من قال بالجواز من أهل العلم قد وضعوا لذلك ضوابط لا يجوز أن يتعداها من أراد الأخذ بقولهم ، ومن هذه الشروط والضوابط : أن لا يكون هناك وجوه صرف عاجلة وأساسية كالطعام والمسكن مثلاً بالنسبة للفقراء ، وأن لا يُمنع المستحقين لأموال الزكاة من حقهم متى ما جاؤوا يطالبون بحقهم ، وأن يتولى عملية الاستثمار أناسٌ عدولٌ ثقاتٌ أمناء ، وأن يتم ذلك تحت إشراف هيئة شرعية للنظر فيما تُستثمر فيه أموال الزكاة وتكون قراراتها مُلزمة وليست استشارية فحسب ، وأن لا تدخل في استثمار إلا بعد دراسة جدوى اقتصادية ، وأن تضمن الدولة الخسارة إذا ما خسرت في الاستثمار ، ولا يكون ذلك من قبيل القمار ؛ لأنها قد تصرفت فيما ليس بملكٍ لها وبلا إذنٍ من ملاكها ، فيكون هذا من قبيل تصرف الفضولي الذي يضمن به صاحبه ما أتلفه ونستطيع تخريجه أيضاً كما أشرت إلى ذلك سابقاً على أن يد تلك الجهة المستثمرة يد أمانة ومن كانت يده يد أمانة فإنه لا يضمن إلا بالتعدي أو التقصير ، وبإهلاك وتضييع أموال الزكاة فإن ذلك يُعتبر تعدٍ من تلك الجهة وتقصيرٌ في واجبها في صرف الزكاة على مستحقيها وبالتالي فإنه يجب عليها الضمان في هذه الحال ، ومن ضمن الضوابط أيضاً أن يكون هناك محاسبة ورقابة مالية دقيقة لئلاَّ يُتلاعب بأموال الزكاة .
كل هذه الشروط والضوابط يجب الالتزام بها متى رجحنا القول الثاني وهو جواز استثمار أموال الزكاة ، وبناءً على ذلك فلا يجوز دفع الزكاة لأيِّ جهة أخلَّت بتلك الشروط والضوابط ، وعلى مُخرجي الزكاة أن يصرفوا زكاة أموالهم في الأوجه الثمانية التي نصَّ عليها القرآن .
وعلى من أراد استثمار أموال الزكاة أن يتقي الله تبارك وتعالى في هذه الأموال ، فإنها أمانةٌ في عنقه ، وهي حقٌ ثابتٌ للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ، فكل هؤلاء سيطالبون بحقوقهم متى ما أضاع القائمون على جمع الزكاة تلك الأموال ، وإذا كان هؤلاء لا يستطيعون نيل تلك الحقوق في الدنيا فإن هذا الحق لن يضيع أبداً عند الله تبارك وتعالى يوم القيامة .
ومن أراد الاستزادة في هذا الموضوع فليقرأ كتاب استثمار أموال الزكاة والأموال الواجبة حقاً لله تعالى للدكتور صالح الفوزان وهي رسالته في الماجستير ، وبحث استثمار أموال الزكاة رؤيةٌ فقهيةٌ معاصرة للدكتور محمد عثمان شبير وهو منشور في كتاب أبحاث فقهية في قضايا الزكاة المعاصرة .